قطوف: عبد الرازق السنهوري.. الأب الروحي للدستور المصري
يُعد عبد الرازق السنهوري عملاق القانون المدني، وواحدًا من أعلام الفقه والقانون فى الوطن العربى، الذى ساهم بخبرته الطويلة فى وضع دساتير عدة دول عربية، كما ساهم بوضع مشروع القانون المدنى الجديد بالعراق ودمشق وليبيا، عٌرف عنه تأييده لثورة يوليو 1952، وشارك فى وضع الدستور المصرى بعد إلغاء دستور 1923.
ولد «السنهوري» في الإسكندرية في أغسطس عام 1895، بمدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة، وعاش طفولته يتيماً، حيث توفي والده (الموظف بمجلس بلدية الإسكندرية) ولم يكن يبلغ من العمر أكثر من خمس سنوات.
بدأ تعليمه في الكُتاب ثم التحق بمدارس التعليم العام وتدرّج بها حتى حصل على الشهادة الثانوية سنة 1913، وكان ترتيبه الثاني على طلاب القطر المصري، ثم نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنجليزية)، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته، ثم عُين بعد حصوله على ليسانس الحقوق بالنيابة العامة في سلك القضاء بمدينة المنصورة بشمال مصر.
وترقي «السنهوري» عام 1920 إلى منصب وكيل النائب العام، وفي نفس العام انتقل من العمل بالنيابة إلى تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعي، وهى واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي المصري التى أسهمت في تجديد الفكر الإسلامي منُذ إنشائها سنة 1907، زامل فيها كوكبة من أعلام التجديد والاجتهاد، مثل أحمد إبراهيم وعبدالوهاب خلاف وعبدالوهاب عزام وأحمد أمين، وتتلمذ عليه عدد من أشهر علماء مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد أبوزهرة.
سافر إلى فرنسا سنة 1921 في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون، وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية، وبدأ يتخذ الموقف النقدي من الحضارة الغربية، فانتقد الانبهار بالغرب.
وفي فرنسا وضع رسالته الإصلاحية التى عرفت بـ (مواد البرنامج) الذى يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه تحت عنوان «القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي»، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه، كما أنجز رسالة أخرى للدكتوراه، عن فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية.
عيّن بعد عودته سنة 1926 مدرساً للقانون المدني بكلية الحقوق بالجامعة المصرية (القاهرة الآن)، ثم سافر إلى العراق سنة 1935 بدعوة من حكومتها، فأنشأ هناك كلية للحقوق، وأصدر مجلة القضاء، ووضع مشروع القانون المدني للدولة، ووضع عدداً من المؤلفات القانونية لطلاب العراق.
وعقب عودته لمصر من بغداد سنة 1937 عُين عميداً لكلية الحقوق ورأس وفد مصر في المؤتمر الدولي للقانون المقارن بلاهاي، ثم أسندت إليه وزارة العدل المصرية مشروع القانون المدني الجديد للبلاد، فاستطاع إنجاز المشروع.
وترك «السنهوري» التدريس بالجامعة عام 1937، واتجه إلى القضاء فأصبح قاضياً للمحكمة المختلطة بالمنصورة، ثم وكيلاً لوزارة العدل، فمستشاراً فوكيلاً لوزارة المعارف العمومية، إلى أن أبعد منها سنة 1942 فاضطر إلى العمل بالمحاماة رغم عدم حبه لها.
كما تولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945 حتى 1949، وقام أثناءها بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي، كما عيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في مصر سنة 1946.
واستمرت مسيرة «السنهوري» القوية، حيث عُين عام 1949 رئيساً لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952.
وساهم فى وضع مشروعات عدة قوانين مدنية ودساتير عدة دول عربية، أبرزها (القانون المدني المصري) ومذكرته الإيضاحية.. وشروحه (الوسيط) و (الوجيز)، (القانون المدني السوري) ومذكرته الإيضاحية.. وقانون البينات ـ بما فيه من قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية، (دستور دولة الكويت) وقوانينها: التجاري.. والجنائي.. والإجراءات الجنائية.. والمرافعات.. وقانون الشركات، (دستور دولة السودان)، (القانون المدني العراقي) ومذكرته الإيضاحية.
رحل عبد الرازق السنهوري عن عالمنا عام 1971، عن عمر ناهز 76 عامًا، و كان ولا يزال على رأس الصفوة من عباقرة القرن العشرين.