قطوف: آدم سميث أبو الرأسمالية
يُعد آدم سميث، فيلسوف واقتصادي اسكتلندي مشهور بكتابه «بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم»، وهو من أكثر الكتب تأثيرًا في تاريخ الاقتصاد، كما يعرف بمساهماته في الاقتصاد السياسي والفلسفة الأخلاقية، ومع ذلك تغطي كتاباته مجموعة واسعة من الموضوعات التي تتراوح من علم الفلك إلى أصل اللغة.
ولد «سميث» في 5 يونيو عام 1723 في مدينة أسكتلندية صغيرة تسمى كيركالدي، وهو ينتمي إلى أسرة ميسورة الحال، وقد توفي والده قبل ولادته بشهرين، فكرست أمه حياتها لتربيته وأسمته باسم والده.
وتلقى تعليمه ما قبل الجامعي في مدرسة مدينته، وعرف بين أساتذته وأقرانه بذاكرته القوية وولعه بالرياضيات والفلسفة وانشغاله بالكتب عن اللعب.
وانتقل عام 1737 وهو في الـ 14 من عمره إلى مدينة جلاسكو لمواصلة دراسته في جامعتها المرموقة، ودرس فيها ثلاث سنوات، ثم توجه إلى جامعة أوكسفورد ليدرس بكلية باليول التابعة للجامعة في الفترة 1740ـ1746، لتترك هذه الفترة من حياته أثرًا بالغًا في أفكاره.
حيث خرج «سميث» من هذه التجربة مولعًا بالعلوم الأخلاقية والسياسية، ومقتنعًا بأهمية الاستعانة بما توفره الفلسفة من معارف إلى جانب اعتماد المنهج العلمي في البحث، لينغمس منُذ تلك الفترة في تعليم وإلقاء المحاضرات ونشر البعض منها في كتابه نظرية المشاعر الأخلاقية عام 1759.
وقادت هذه المحاضرات إلى تأليف كتابه طبيعة وأسباب ثروات الأمم عام 1776 الذى يُعد علامة فارقه بين مؤلفاته، حيث طرح هذا الكتاب العديد من الأفكار الاقتصادية التى لا تزال تستخدم حتى الآن، ليُطلق عليه فيما بعد لقب أبو الرأسمالية.
وصاغ «سميث» الفرضيات الأساسية للتحليل الاقتصادي الليبرالي، وهى كالتالي: المصلحة الشخصية هى التى تحفز الناس وتقود العالم، السوق كفيل بتحويل المصالح الشخصية الأنانية للأفراد إلى مصلحة جماعية، المنافسة قادرة على لعب دور الضبط بنجاح، آلية الأسعار تقود الأسواق إلى حالة التوازن، توزيع العمل والتخصص هما مصدر الفعالية الإنتاجية، التبادل قادر على تحسين وضع الجميع.
وطور آدم سميث نظريته الشهيرة حول اليد الخفية التي تقول بأن السوق قادرة على المواءمة بين المصالح الشخصية الأنانية والمتضاربة للأفراد وتقود في النهاية إلى تحقيق مصلحة الجميع، كأن هناك يد تعمل في الخفاء على السير بالناس في اتجاه النظام بدلًا من الفوضى.
أحدثت الأفكار الاقتصادية التي ضمنها «سميث» في كتابه قطيعة مع الأفكار المركنتيلية السائدة قبله، والتى كانت ترى أن الثروة تكمن في مراكمة المعادن النفيسة من ذهب وفضة بتشجيع الصادرات وتقليل الواردات، أو الفيزيوقراطية التي تعتبر أن الأرض هي مصدر الثروة.
وقد أسس بذلك لضرورة اعتماد الأمم لمبدأ التجارة الحرة خلافًا للحمائية التى تشجعها الأطروحة المركنتيلية.
ومهد آدم سميث بأفكاره لظهور المدرسة الكلاسيكية في الاقتصاد (العمل هو منشأ القيمة ومصدر الثروة)، وأفسح المجال لمجموعة من الاقتصاديين المرموقين (ديفيد ريكاردو، جون ستيوارت ميل، جون باتيست ساي..) الذين مشوا على خطاه وطوروا أفكارهم انطلاقًا من الإرث الفكري الذى تركه مع وفاته فى يوليو عام 1790.