رسائل «First»: محددات جديدة لقرار لجنة السياسة النقدية المرتقب في 5 سبتمبر المقبل
First Bank
قرابة العامين مضوا منُذ بدء أغلب البنوك المركزية حول العالم موجة التشديد النقدي لمجابهة العديد من الأزمات التى تفاقمت بعد جائحة كورونا وعلى رأسها التضخم الذى وصل إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، مستخدمة في ذلك أسعار الفائدة كإحدى أدوات السياسة النقدية.
وكان الهدف من السياسة التشددية باستخدام رفع أسعار الفائدة هو تقليص الطلب عن طريق جعل الاقتراض أكثر تكلفة، مما يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وتقليل الضغوط التضخمية فضلًا عن جذب مدخرات الأفراد للبنوك لضمان عدم توجيهها للاستهلاك.
إلا أن هذه الموجة يبدو أنها بدأت في التلاشي تدريجيًا، حيث شهدنا في الأشهر الأخيرة اتجاه بنوك مركزية في الاقتصادات المتقدمة نحو تسهيل السياسات النقدية عبر تخفيض أسعار الفائدة، وكانت البداية من البنك المركزي السويسري الذي خفض سعر الفائدة في مارس الماضي بمعدل 0.25%، تبعه المركزي السويدي بالمعدل نفسه في مايو، ثم بنك كندا المركزي الذي خفضها ربع درجة مئوية في يونيو الماضي.
وخفض البنك المركزي الأوروبي أيضًا سعر الفائدة للمرة الأولى في أكثر من أربعة أعوام ونصف العام في يونيو بمقدار 0.25%، تلاه بنك إنجلترا المركزي مخفضًا بنفس المقدار في أغسطس الجاري.
فيما أعلن «الاحتياطي الفيدرالي» أخيرًا عن احتمال خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، حيث أشار جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خطابه خلال الملتقى السنوي لحكام البنوك المركزية في جاكسون هول بولاية وايومينغ الجمعة الماضية، أنه حان الوقت للبدأ في خفض معدلات الفائدة، وهو الخبر الذى انتظرته الأسواق العالمية لفترة طويلة.
هذا التوجه من المتوقع أن يدفع العديد من البنوك المركزية حول العالم إلى السير على خطى «الاحتياطي الفيدرالي»، وذلك لأن خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يؤدي عادةً إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، مما يجعل الصادرات الأمريكية أكثر جاذبية في الأسواق العالمية، والجدير بالذكر أن هذا التحرك يمكن أن يدعم الصناعات الأمريكية التى تعتمد على التصدير، كما يساهم في تقليص العجز التجاري للولايات المتحدة.
وبالنسبة للبلدان التى ترتبط عملاتها بالدولار أو تعتمد بشكل كبير على ديون مقومة بالدولار، فإن ضعف الدولار قد يخلق تحديات في تنفيذ سياساتها النقدية الخاصة.
وبينما تتجه البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة نحو تخفيض أسعار الفائدة، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: كيف ستتعامل مصر مع هذه التغيرات في ظل التحديات الاقتصادية؟ خاصة مع اقتراب اجتماع لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري، المقرر عقده يوم الخميس 5 سبتمبر المقبل.
في الواقع تضع المتغيرات الأخيرة البنك المركزي أمام قرار صعب، فمن ناحية عليه خفض أسعار الفائدة للأسباب السابق ذكرها، يُضاف إلى ذلك أنها باتت عبئًا كبيرًا على الدولة وأصحاب الأعمال خاصة في ظل وصولها لمستويات قياسية، مما إنعكس سلبًا على معدلات نمو الناتج الحقيقي للبلاد، حيث استمر تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مسجلًا 2.2% في الربع الأول من عام 2024 مقابل 8.3% في الربع الرابع من 2021 أي قبل إتباع سياسة التشديد النقدي.
ومن ناحية أخرى، فعليه الاستمرار في سياسته التشددية، للحفاظ على القيمة الموجبة لمعدل الفائدة الحقيقي (البالغة 2.87% بنهاية يوليو الماضي)، خاصة مع بقاء التضخم عند مستويات مرتفعة، وعودة تسارع المعروض النقدي.
فعلي الرغم من مواصلة الضغوط التضخمية تراجعها، حيث انخفض كل من التضخم العام والأساسي للشهر الخامس على التوالي إلى 25.67% و24.4% في يوليو 2024، على الترتيب، إلا أنهما مازالا مرتفعين، وبعيدين عن المعدل المستهدف والمعلن من قبل البنك المركزي المصري البالغ 7% (± 2%) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024.
والجدير بالذكر أنه من المتوقع عودة ارتفاع التضخم، وذلك بسبب قرار وزارة الكهرباء برفع أسعار جميع شرائح الكهرباء بنسبة تتراوح من 14% وتصل لـ 50% للشريحة السادسة لأكثر من 650 كيلو وات ساعة إلى 1000 كيلو وات ساعة، على أن يتم تطبيق الزيادة الجديدة في أسعار شرائح استهلاك الكهرباء، ابتداءً من الشهر الجاري.
وجاء هذا بعد أن رفعت مصر قبل شهر أسعار البنزين والسولار بنحو 15% للمرة الثانية خلال العام الجاري وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي بقرض بقيمة 8 مليارات دولار.
يُضاف إلى ذلك أن المعروض النقدي أخذ في التسارع مجددًا على أساس شهري للشهر الثالث على التوالي، حيث ارتفع 5.13% في يونيو، و3.41%، و0.73% خلال مايو وإبريل.
يجدر الإشارة إلى أن لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزي المصري، قررت في اجتماعها الماضي الذى عُقد في 18 يوليو الماضي الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب، كما قررت الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%.
وفي ضوء هذه المعطيات المعقدة، يجد البنك المركزي المصري نفسه أمام مفترق طرق، ففي حين تدفع الضغوط العالمية والمحلية نحو تخفيف السياسة النقدية لتشجيع النمو وتخفيف العبء على الاقتصاد، تبقى المخاوف بشأن التضخم المرتفع والتحديات النقدية الأخرى عائقًا أمام اتخاذ هذه الخطوة بسهولة.
وبلاشك سيكون القرار المنتظر في 5 سبتمبر نقطة تحول هامة، فهل سيتجه البنك المركزي نحو تخفيض الفائدة لمواكبة التغيرات العالمية؟، أم سيختار الاستمرار في التشديد للاستمرار في مكافحة التضخم؟ كل الاحتمالات واردة، وما علينا سوى انتظار القرار الهام.