صُنّاع القرار: حسن عبدالله.. كيف أبدع «محافظ المركزي» في عام الأزمة؟
فقط أقل من عام كان كافيًا لإثبات مدى براعة حسن عبدالله محافظ البنك المركزي المصري، على الرغم من توليه المنصب فى ظل ظروف عالمية بالغة الصعوبة أبرزها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية ووصول أزمة التضخم إلى السوق المحلي عبر ارتفاع أسعار السلع والخامات المستوردة، بالإضافة إلى التراجع الملحوظ الذى شهده احتياطي مصر من النقد الأجنبي، وانتشار السوق السوداء لتداول العملات الأجنبية.
فكيف قاد «عبدالله» معركته الشرسة مع كل تلك الأزمات؟
عزم حسن عبدالله منُذ توليه فى 18 أغسطس، على دراسة الوضع الاقتصادي لمصر، ومعدلات التضخم، وسوق النقد الأجنبي، والوقت المناسب للتعامل مع سعر الصرف وأسعار الفائدة، وفي أطار ذلك عقد سلسلة من الاجتماعات لمناقشة الأوضاع ودراسة ما هو أنسب للاقتصاد.
وكانت أولى قراراته، تيسير إجراءات عمل الشركات، حيث قام فى 25 أغسطس 2022، بإلغاء حدود الإيداع للأفراد والشركات ورفع الحد الأقصى للسحب للأفراد والشركات، عبر زيادة الحد الأقصى لعمليات السحب النقدي للأفراد والشركات من 50 إلى 150 ألف جنيه، مع الإبقاء على الحد الأقصى للسحب اليومي من ماكينات الصراف الآلي بواقع 20 ألف جنيه.
حيث تسببت القيود المفروضة من البنك خلال جائحة كورونا في تقييد الحركة الاقتصادية بالسوق، وأسهم قراره في تسريع وتيرة النشاط الاقتصادي من خلال تيسير إجراءات توفير السيولة.
واستمرت قرارات حسن عبدالله الحكيمة، ليقرر فى اجتماع 22 سبتمبر 2022، اللجوء إلى تثبيت أسعار الفائدة، إلا أنه أتخذ مجموعة من الإجراءات الهامة، وكانت أبرزها رفع نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي من الودائع على البنوك إلى 18% بدلًا من 14% فى خطوة وصفت بأنها شديدة الذكاء.
ويعد هذا الرفع في الاحتياطي الإلزامي هو الأول من نوعه منُذ 10 أكتوبر 2017، والجدير بالذكر أن تلك الأداة تهدف إلى كبح التضخم، لانه يسحب جزء من السيولة من داخل السوق المصرفية ويخفض قدرة البنوك على منح القروض.
كما سعي حسن عبدالله لمنح البنوك مهلة لتوفيق أوضاعها، وعليه؛ فقرر مطلع أكتوبر الماضي، مد فترة توفيق أوضاع البنوك وشركات الصرافة العاملة في مصر فيما يخص الحد الأدني لرأس المال حتي يوم 14 سبتمبر من العام الجاري، وفقاً لما تم نشره في جريدة الوقائع المصرية.
وواصل «عبدالله» خطواته الجريئة لإصلاح الاقتصاد والسياسة النقدية، فلجأ إلى تحريك سعر الصرف دون أن يُعلن ذلك صراحةِ، وقبل أن يحركه بنحو 22 يومًا، لمنح العملة المحلية مرونة أوسع، أبلغ البنوك في 5 أكتوبر 2022، بأنه سيسمح لها ببدء تداول العقود الآجلة غير القابلة للتسليم ومشتقاتها للتعاملات بالعملة المحلية.
وذلك في إطار آلية جديدة قيد المراجعة من قبل البنوك للصرف الأجنبي، للتعامل مع سعر الجنيه أمام الدولار، وتحديد سعره بين الطرف البائع والمشتري في العقود الآجلة.
ومع استمرار تصاعد التضخم، لجأ إلى رفع سعر الفائدة 2% في اجتماع استثنائي في 27 أكتوبر 2022، وحرك سعر الجنيه أمام الدولار، من أجل اعتماد سعر صرف مرن للعملة المحلية، والعمل على إعادة بناء الاحتياطات الدولية.
حيث نتج عن الممارسات غير المشروعة على مدار الأعوام الأخيرة زيادة الضغط على العملة الأجنبية وتحديدًا الدولار الأمريكي، وهو ما عمل بدوره على ارتفاع أسعارها فى السوق السوداء بشكل غير مسبوق، وذلك نتيجة زيادة الطلب عليها بهدف المضاربة وليس بهدف تسوية المعاملات الاقتصادية مع الخارج.
وسعي حسن عبدالله إلى إعادة دعم احتياطي النقد الأجنبي، وأثمرت جهوده فى هذا الملف، إلى ارتفاع الاحتياطي الأجنبي لمصر لستة أشهر على التوالي ليصل إلى 34.352 مليار دولار في فبراير الماضي مقابل 33.143 مليار دولار في نهاية يوليو 2022 أي قبل توليه المسئولية.
كما نجح فى التوصل إلى إتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، ليُعلن الصندوق فى ديسمبر الماضي، منح مصر 3 مليارات دولار مباشرة، ومليار دولار من صندوق آخر تابع له، وتحفيز استثمارات وتمويلات بقيمة 14 مليار دولار أمريكي تقريبًا من شركاء مصر الدوليين والإقليميين.
وأعُجب «صندوق الدولي» بالإصلاحات القوية التى أغيرت بالسياسة النقدية لمصر، والتى عبر عنها فى تقريره الذى أعلن فيه حصول مصر على القرض.
وأشاد صندوق الدولي بتحريك سعر الصرف ومرونته في مصر، مشيرًا أن التوجيه المكثف لسعر الصرف –بتثبيت الجنيه أمام الدولار منُذ جائحة كورونا عام 2020 وحتى مطلع 2022- لم يعد بالنفع على مصر بشكل جيد.
وأدى ذلك إلى فترات من تراكم الاختلالات، وهو ما أفضى بدوره إلى تراجع الأصول بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي والبنوك التجارية، وترشيد النقد الأجنبي، ودفع البنك المركزي إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري فجأة مقابل العملات الأخرى.
وقاد ذلك لارتفاعات حادة في معدل التضخم وأضعفت النشاط الاقتصادي مع فقدان المستهلكين والمستثمرين ثقتهم في سلامة أوضاع الاقتصاد المصري، قبل أن تعود مرة أخرى خلال الأشهر الماضية.
إلا أن إصلاحات حسن عبدالله لم تنجح فى الحد من التضخم المتصاعد، والذى يرجع إلى أسباب عالمية، وهو ما أضطره فى آخر إجتماعات لجنة السياسة النقدية خلال 2022، إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة أكبر، حيث تم رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.25%، 17.25% و16.75% على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.75%.
وعمل «عبدالله» على تغيير إلزامية العمل بنظام مستندات التحصيل، في الاستيراد، ليُعلن فى 29 ديسمبر الماضي، العودة إلى الإعتمادات المستندية، لتلقي هذه الخطوة قبولًا كبير لدى مجتمع الاعمال والمستثمرين والمستورين باعتبارها ستسهم فى دخول السلع والبضائع المستورة من الخارج خاصة مستلزمات الإنتاج التى تحتاجها المشروعات الصناعية.
ومع بداية السنة الجديدة سعي حسن عبدالله إلى تحريك سعر الصرف مرة أخرى، لمعالجة الفجوة الكبيرة التى مازالت موجودة بين الأسعار الرسمية والسوق السوداء، سعيًا للقضاء عليها، الأمر الذي دفع سعر الدولار للوصول إلى مستوى 32 جنيهاً قبل أن يأخذ في التراجع لمستوى دون الـ 31 جنيهاً.
وأثر هذا القرار على سوق العملة الأجنبية بشكل كبير، حيث خفض كثيراً من الضغط على طلب الدولار في مصر، ودفع سوق الانتربنك إلى تحقيق مستويات معاملات كبير للغاية مقارنة بالفترات الماضية، وهو ما عزز من معروض الدولار في السوق وتخفيف الضغط عليه.
وفى أولى اجتماعات لجنة السياسة النقدية خلال العام الجاري، أعلنت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض فى اجتماع فبراير الماضي، إلا أنه مع تزايد الضغوط التضخمية لجأت اللجنة الأسبوع الماضي إلى رفعها 2%.
وأيضًا عمل على دعم الصناعة بشكل كبير وتشجيع القطاعات الإنتاجية وتعزيز الإنتاج المحلي، حيث إنه مع إطلاق رئيس الوزراء مبادرة جديدة لدعم القطاعات الإنتاجية «الصناعة والزراعة»، أبلغ البنك المركزي المصري، البنوك المحلية بمحددات المبادرة التمويلية الجديدة الصادرة عن وزارة المالية، لصالح شركات القطاع الخاص العاملة بالأنشطة الصناعية والزراعية بسعر عائد 11%.
وذكر البنك المركزي، في كتاب دوري موجه للبنوك، أن القيمة الإجمالية للمبادرة تبلغ 150 مليار جنيه منها 140 مليارًا لتمويل عمليات رأس المال العامل، و10 مليارات لتمويل شراء الآلات والمعدات.
وأسفرت جهود حسن عبدالله عن تحقيق البنك المركزي صافي ربح لأول منُذ خمس سنوات، بلغ 1.058 مليار جنيه خلال ديسمبر 2022.
وارتفعت محفظة أصول البنك المركزي المصري إلى 3.574 تريليون جنيه بنهاية 2022، مقابل 3.108 تريليون جنيه بنهاية الماضي، محققة معدل نمو بلغ 14.99%، وزيادة قدرها 465.99 مليار جنيه.
وصعدت أصول الذهب بنحو 35.63%، لتصل إلى 180.964 مليار جنيه بنهاية 2022، مقابل 133.427 مليار جنيه بنهاية يوليو من نفس العام، بزيادة قدرها 47.537 مليار جنيه.