أخضر: شبح الجفاف والقارة السمراء
إعتدنا النظر إلى حالات الجفاف التى تصيب الأراضي على أنها مظاهر مناخية تتطور ببطء شديد خلال سنوات طويلة، إلا أن الواقع كان مغايرًا لذلك، حيث يمكن للجفاف أن يظهر في أرضٍ ما بشكل مفاجئ.
ومع ازدياد التغيرات المناخية الناجمة عن النشاط الإنساني، والتى تتفاقم حدتها يومًا بعد يوم، زادت نوبات الجفاف في مختلف أنحاء الأراضي، نظرًا لأن آثار تغير المناخ تظهر بوضوح متزايد في كل قارة.
وتعتبر حالات الجفاف بشكل عام من المخاطر المناخية طويلة الأمد، وذلك يرجع إلى أن النقص المستمر في هطول الأمطار يؤدي إلى تجفيف التربة والغطاء النباتي، ومن ثم انخفاض منسوب المياه في الأنهار والبحيرات.
ليس هذا فحسب، إذ قد يتفاقم الجفاف ويستمر لسنوات في مناطق واسعة، ويترك عواقبه السلبية على الناس والطبيعة، حيث تتسبب نوبات الجفاف بانخفاض القدرة الإنتاجية للأرض، في الوقت الذى تُعد فيه الزراعة أكبر نشاط مستهلك للأراضي والمياه، وهو ما يتسبب في انعدام الأمن الغذائي والهجرة الجماعية في إحيانًا كثيرة.
ويُعد أخطر أنواع الجفاف هو ذاك النوع الذى يتطور على نحو سريع، وفي غضون أسابيع قليلة فقط، وهو ما يسمي في هذه الحالة بـ«الجفاف المفاجئ»، وهو ما يشترك مع الفيضانات المفاجئة في كونه يظهر فجأة دون سابق إنذار، بالإضافة إلى التأثيرات الشديدة له، وذلك نظرًا لضيق الوقت للتعامل مع هذا النوع من الجفاف.
وتتباين آثار الجفاف المفاجئ بأختلاف خصائص كل منطقة، حيث إن بعض أنواع التربة تجف أسرع من غيرها، وبعض المناطق لديها موارد مائية وفيرة تضمن رياً تكميلياً، وبعض المحاصيل أكثر مقاومة للإجهاد المائي والحرارة.
كما تتفاوت نسبة السكان الذين يعتمدون على الزراعة لكسب عيشهم بين المناطق، ويعتمد ذلك أيضاً على التعافي من الجفاف المفاجئ، فيما إذا كان سيحصل بالسرعة نفسها التى بدأ بها أو يتطوّر إلى جفاف طبيعي طويل.
ويختلف تأثير الجفاف باختلاف الفترات التى يحل بها وتداخلها مع مراحل نمو المحاصيل، فمثلًا، يمكن أن يؤثر الجفاف المفاجئ الذى يستمر لأيام قليلة بشكل كبير على غلة المحاصيل، عندما يحدث خلال مراحل الإزهار أو التلقيح، بينما يمكن أن يكون خلال موسم النمو في وقت لاحق مفيداً لنمو النبات ونضج الفاكهة، كما أن الجفاف المفاجئ في نهاية موسم الأمطار يكون أقل ضرراً، حيث تكون الأرض اختزنت كميات كافية من المياه.
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، فإن القارة السمراء هى القارة الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، رغم أنها تسهم بنسبة 4% فقط من انبعاثات الكربون العالمية، حيث تشهد منطقة القرن الإفريقي أسوأ موجة جفاف منُذ أكثر من 40 عامًا، تمتد عبر منطقة شرق إفريقيا من إريتريا شمالا، مرورًا بإثيوبيا وجيبوتي إلى الأطراف الجنوبية لكينيا والصومال.
وهو ما يجعل شبح الموت جوعًا يلوح في أفق القرن الأفريقي، حيث من المتوقع أن تستمر أطول موجة جفاف، بسبب شح المياه وانخفاض معدلات الحصاد ونفوق الماشية، إذ أجبرت موجة الجفاف مئات آلاف الأشخاص على ترك أراضيهم، وذلك إضافة إلى ازدياد أخطار الصراع على الموارد بين المجتمعات المحلية.
كما زادت الحرب الروسية الأوكرانية، وما تنلاها من ارتفاع أسعار المواد الغذائية من أزمة القرن الإفريقي، لتضاف إلى عوامل أخرى أدت إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي التى خلفها الجفاف في المنطقة كتداعيات تغير المناخ والصراعات المسلحة وجائحة كورونا، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وبالرغم من كل هذا، تقل تدفقات تمويل المناخ إلى إفريقيا مقارنة بضخامة الموارد اللازمة للإسهامات المحلية فى خطة مكافحة التغير المناخي، والتى يُقدر أنها تتراوح من 1.3 تريليون دولار إلى 1.6 تريليون دولار بين 2020 :2030 ، أو 118.2 مليار دولار إلى 145.5 مليار دولار سنويًا خلال هذه الفترة، وبالتالي يمكن أن تصل فجوة التمويل السنوية لأفريقيا إلى متوسط يقدر بقيمة 108 مليارات دولار سنويًا حتى عام 2030.
وهو ما يضع القارة الإفريقية في وضعًا صعب ويفرض عليها العديد من الإلتزامات للنجاة، حيث يجب أن تضع القارة السمراء نفسها كوجهة استثمارية جديرة بتمويل المناخ الذى يركز على قضايا التنمية طويلة الأجل، من خلال وضع خطط استثمار خضراء، وجذب القطاع الخاص إلى طاولة المفاوضات وإعطائه مساحة للابتكار.
بالإضافة إلى ذلك يجب على صانعي السياسات استخدام التمويل العام للتخلص من مخاطر الاستثمار الخاص، وأن يكون لديهم بيئة تنظيمية تمكن من ممارسة الأعمال التجارية باستخدام أدوات تمويل متغيرة، ويجب على الدول المتقدمة أن تفي بالتعهدات التي قطعتها بالفعل دون أي شروط إضافية وجديدة لتحفيز التنمية الخضراء.
كما يجب أيضا أن تكون المساهمات المحلية (وهي خطط عمل الدول لخفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات المناخ)، مصحوبة باستراتيجيات استثمار وطنية تعطي الأولوية للبنية التحتية الخضراء وحماية الموارد الطبيعية ويمكن أن يخلق ذلك مسارًا ، للتنمية الخضراء ، وذلك وفقًا لتقرير حديث لمعهد بروكينجز الأمريكي للأبحاث.