أخضر: سياسات البنوك المصرية تجاه تغير المناخ: من القرارات الاستثمارية إلى العمليات اليومية
ياسمين السيد
تلعب البنوك دورًا هامًا في استجابة الدول لمخاطر التغير المناخي، سواء عبر القرارات الاستثمارية الذكية أو الإجراءات الداخلية التي تدعم التحول نحو اقتصاد مستدام وأكثر مرونة، ولم تكن مصر بمنأي عن ذلك، حيث تتبنى البنوك عدة سياسات لمواجهة تغير المناخ والتأثير على استثماراتها وعملياتها اليومية.
ويُعد التمويل الأخضر من أبرز السياسات التى تنتهجها البنوك العاملة في القطاع المصرفي المصري نحو دعم الاقتصاد الأخضر خاصة في ظل توجهات البنك المركزي التى دعمت وبقوة من تسريع هذه السياسة، حيث إصدر المبادئ الاسترشادية للتمويل المستدام في يوليو 2021 من خلال بناء القدرات والمعرفة اللازمة وتعزيز التمويل المستدام وإشراك الأطراف المعنية وإدارة مخاطر تغير المناخ وتطبيق مبادئ الاستدامة على أنشطة وأعمال البنك الداخلية وإعداد التقارير.
كما أصدر تعليمات رقابية ملزمة لتعزيز الاستدامة والتمويل المستدام، وذلك من خلال إنشاء إدارة مستقلة للاستدامة والتمويل المستدام بكل بنك، فضلاً عن إلزام البنوك بإدراج سياسات وإجراءات تنفيذية خاصة بالتمويل المستدام ضمن السياسات الائتمانية والاستثمارية للبنك، بالإضافة إلى الاستعانة باستشاري بيئي لتقييم مشاريع الشركات الكبري المُزمع تمويلها من المنظور البيئي، وأخيرًا إعداد تقارير دورية في هذا الشأن.
وأصدر أيضًا عدة مبادرات تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز التمويل المستدام من خلال إتاحة مبالغ محددة للبنوك لتستخدمها في منح تسهيلات ائتمانية لعملائها تحت مظلة تلك المبادرات بأسعار عائد منخفضة، لما لهذا النوع من التمويل من دور أساسي في تنمية الاقتصاد القومي وتوفير فرص العمل للشباب وخفض نسب البطالة، وهو ما يراعي العنصر الاجتماعي من عناصر التمويل المستدام، فضلاً عن التركيز على قطاعات كقطاع الطاقة الجديدة والمتجددة وهو ما يراعي العنصر البيئي.
كما قام البنك المركزي بتوجيه البنوك لقياس البصمة الكربونية للأنشطة الداخلية للبنك كخطوة أولى نحو تنفيذ المبدأ الخامس من المبادئ الاسترشادية للتمويل المستدام "تطبيق مبادئ الاستدامة على أنشطة وأعمال البنك الداخلية"، وذلك ضمن مسئولية القطاع المصرفي في دفع التحول نحو التنمية المستدامة ودراسة الحلول المتاحة للحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية. كما تسهم تلك الخطوة في تطوير عملية الإفصاح عن ممارسات الاستدامة لدى البنوك.
وفي إطار ذلك، أطلقت العديد من البنوك منتجات تمويلية صديقة للبيئة تهدف إلى تمويل المشاريع المستدامة، بما في ذلك القروض الخضراء التي تدعم الاستثمارات في تحسين كفاءة استخدام الموارد وتقليل الانبعاثات الكربونية.
ويُعد أيضًا الاستثمار في الطاقة المتجددة من أبرز السياسات التى تنتهجها البنوك نحو دعم الاقتصاد الأخضر، حيث اتجهت العديد منها إلى تمويل مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وذلك عن طريق تقديم تمويلات لإنشاء محطات الطاقة الشمسية المنزلية أو التجارية، بنسب تغطية تصل إلى 100% من تكلفتها.
كما عملت البنوك على دعم الشركات البيئية الناشئة، حيث بدأت في توجيه الأموال نحو الشركات الناشئة التي تركز على الابتكارات الخضراء، مثل تقنيات إعادة التدوير وتطوير منتجات خالية من البلاستيك.
ليس هذا فحسب، بل إنتهجت سياسات داخلية تجاه الاستدامة، لعل أبرزها تقليل البصمة الكربونية للبنوك نفسها، وذلك عن طريق تقليل الاعتماد على الورق من خلال التحول إلى الخدمات المصرفية الرقمية (مثل استخدام التطبيقات المصرفية وخدمات الإنترنت البنكي) مما يقلل من الانبعاثات الناتجة عن العمليات التقليدية.
كما إتجهت نحو التحول إلى مباني خضراء، حيث شرعت بعض البنوك كـ «الأهلي المصري»، و«مصر»، و«التجاري الدولي» في تطبيق معايير المباني الخضراء لتحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه في مقراتها الرئيسية والفروع.
وعملت أيضًا على تعزيز ثقافة الاستدامة بين الموظفين والعملاء، وذلك عن طريق إطلاق برامج تدريبية وورش عمل للموظفين حول أهمية الاستدامة ودورهم في تقليل التأثير البيئي للأنشطة اليومية، ومن خلال أيضًا الحملات الإعلامية والأنشطة التوعوية الموجهة للعملاء لزيادة الوعي بأهمية الاستثمار في المنتجات الخضراء ودعم السياسات الصديقة للبيئة.
وفي الختام، التحرك نحو التنمية المستدامة ليس مسؤولية البنوك وحدها، بل هو مسؤولية مشتركة بيننا أيضًا كأفراد، ويمكننا دعم هذه الجهود من خلال اختيار المنتجات المصرفية الخضراء، والتحول إلى الخدمات الرقمية، وتقليل استخدام الورق في تعاملاتنا اليومية.