مجموعة «QNB»: ما مدى قتامة توقعات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو؟
كشفت مجموعة QNB عن وجود توقعات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو متقلبة للغاية خلال الأرباع الأخيرة، فقد انتقلت المنطقة بسرعة من الانفتاح بعد الجائحة إلى "اقتصاد يعاني من أزمة" عقب اندلاع الصراع الروسي الأوكراني.
في الواقع، تم تخفيض إجماع توقعات بلومبرغ لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في عام 2022 بسرعة بعد بداية الحرب في أوكرانيا، من أكثر من 4% إلى أقل من 3% في غضون أشهر، مع احتمالات حدوث ركود عميق ودائم في نهاية عام 2022 ومطلع عام 2023.
ويوجد عدد قليل من الصدمات السابقة التي توازي في حجمها واتساعها وعمقها الصدمات السلبية التي أثرت على المنطقة، في جانب العرض، تم تضخيم الاضطرابات المرتبطة بالجائحة بفعل أزمة الطاقة التي تُعتبر الأكبر من نوعها منذ عقود.
وتمثلت التداعيات الجيوسياسية للصراع الروسي الأوكراني في عمليات المقاطعة والعقوبات والحظر التجاري، مما أثر سلباً على قطاعات الخدمات العامة الأوروبية والصناعات كثيفة استهلاك الطاقة.
وفي جانب الطلب، بدأ الزخم القوي الناتج عن إعادة الانفتاح الاقتصادي بعد الجائحة يتعثر، حيث أدى التضخم المرتفع والمتصاعد إلى استنفاد الدخل المتاح للإنفاق، مما قلل من معنويات المستهلكين.
كما تضررت منطقة اليورو بشدة من مزيج صعب من انخفاض وتباطؤ معدلات النمو مع ارتفاع وتصاعد معدلات التضخم، ولكن على الرغم من هذه التحديات، أثبتت منطقة اليورو حتى الآن أنها أكثر مرونة مما توقعه معظم المحللين.
وتوقع المحللين حدوث ركود حاد ودائم في هذه المقالة، نتعمق في العوامل الثلاثة التي تفسر مرونة اقتصاد منطقة اليورو.
أولاً، ظل أداء منطقة اليورو يتخطى التوقعات باستمرار في الأشهر الأخيرة، حيث لا تزال البيانات الصادرة تشير إلى اقتصاد قوي وآخذ في التوسع. في الواقع، نما اقتصاد المنطقة بنسبة 4% و2.1% على أساس سنوي في الربعين الثاني والثالث من عام 2022 على التوالي،متجاوزاً معظم التوقعات.
وكان هذا الأداء القوي مدعوماً بالإنفاق الاستهلاكي الشخصي، والأداء القوي للسياحة والخدمات خلال موسم الصيف، فضلاً عن تراكم المخزونات بعد جائحة كوفيد، وفي حين أن بيانات النشاط الأكثر تواتراً، مثل مؤشر مديري المشتريات، ظلت تضعف منذ شهور، إلا أنها بدأت تشهد أولى علامات الاستقرار.
ويشير هذا الأمر إلى أن أسس الاقتصاد الأوروبي كانت أقوى قبل الصدمة الجيوسياسية مما كان يُعتقد سابقاً، لا سيما فيما يتعلق بسوق العمل واستهلاك الأسر.
ثانياً، تراجعت بشكل ملحوظ المخاوف من حدوث أزمة طاقة في أوروبا خلال فصل الشتاء الحالي، مما سمح بزيادة استقرار الإنتاج الصناعي وتخفيف القيود الصارمة على الاستهلاك لأغراض الخدمات العامة.
وترتبط هذه التطورات الإيجابية حتى الآن بفصل الشتاء الذي جاء أكثر دفئاً من المعتاد، واعتماد آليات أكثر فعالية لتوفير الطاقة، وارتفاع مخزونات الغاز من الصيف الماضي، وثبات إنتاج الطاقة على المستوى الإقليمي.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤشر TTF الهولندي لأسعار الغاز الطبيعي، وهو معيار رئيسي في أوروبا، عكس معظم الارتفاع الذي شهده منذ الزيادة التاريخية التي بدأت خلال الصيف، عندما أعلنت روسيا أنها لن تقوم بتصدير الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم.
كما توفر أسعار الغاز ميسورة التكلفة قدراً أكبر من الراحة لكل من الأسر والحكومات، نظراً لانخفاض تكاليف الخدمات العامة وكذلك انخفاض الالتزامات المالية لدعم الطاقة، مما يؤدي إلى زيادة الدخل المتاح للإنفاق.
ثالثاً، تشكل السياسة الاقتصادية المعتمدة أيضاً أرضية مواتية لنمو منطقة اليورو هذه المرة. على عكس الأزمات الاقتصادية السابقة في منطقة اليورو، هناك القليل من الانقسام الأساسي حول تدابير الدعم المحتملة في حالة ظهور مخاطر جديدة.
كما لا توجد رغبة كبيرة في تحقيق الانضباط المالي التام، حتى أن البلدان التي حققت تاريخياً فوائض مستمرة في الميزانية، مثل ألمانيا والنمسا وهولندا، تشهد عجزاً مالياً في الوقت الراهن.
ويرجع ذلك إلى الحاجة إلى تمويل دعم الطاقة والتحويلات المباشرة للأسر والمرافق والشركات التي تعاني من مشاكل مالية. بعبارة أخرى، أصبح العجز المالي الآن أمراً شائعاً في جميع أنحاء منطقة اليورو.
ومن ثم، هناك تفاهم توافقي حول التدابير المالية الطارئة أو الدعم الطارئ المقدم من البنك المركزي الأوروبي. ولذلك ينبغي أن يوفر هذا الأمر الدعم المؤسسي المطلوب لاتخاذ إجراءات اقتصادية إضافية كلما دعت الضرورة.
بشكل عام، لا تزال التحديات الاقتصادية بارزة ولا تزال التوقعات قاتمة إلى حد ما بالنسبة لمنطقة اليورو. ويُعتبر حدوث ركود إقليمي بين الربع الأخير من عام 2022 والربع الأول من عام 2023 أمراً مفروغاً منه تقريباً.
ومع ذلك، من المفترض أن تتجنب المنطقة الانكماش العميق الذي توقعه بعض المحللين. وتوفر قوة الأسس الاقتصادية، والقدرة على التعامل مع أزمة الطاقة خلال هذا الشتاء، وتجانس السياسات الاقتصادية بعض الراحة والدعم، ومن شأن هذه العوامل أن تسمح بنمو إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو بنسبة 0.5% في عام 2023.